قطعت وظيفة مسك الدفاتر شوطًا طويلًا منذ أنَ قام "لوكا باسيولي" بتأسيس هذا النظام في عام 1494م في مدينة البندقية الإيطالية، وحالها كحال أي أمر في هذه الحياة، يتغير ويتبدل، لذا شهدت العديد من التغييرات والابتكارات التي طرأت وفقًا للمستجدات في عالم الأعمال، وبالرغم من أنَ بعض المحاسبين اليوم ينظرون إلى المستقبل بخوف، إلا أنَ الحقيقة تكمن في أنَ عملية مسك الدفاتر هي أساس الدورة المحاسبية والحاجة لها لن تموت أبدًا، ومن هذا المنطلق نستعرض عبر السطور التالية ما الأسباب التي دفعت للتغيير، وما التقنيات الحديثة التي أحدثت تحولًا منهجيًا في عملية مسك الدفاتر، كالتالي:
لماذا التغيير؟
بلا شك أنَ التغيير أمرٌ لا مفر منه، و للتكيف مع التغييرات وضمان ازدهار المشاريع، ينبغي على روَاد الأعمال والمحاسبين والمختصين في مسك الدفاتر، تبني عقلية المستقبل ومعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التغيير وما نتائجه، وبعضٌ من أسباب التغيير هي:
- عصر القوى العاملة الديناميكية
التطور في أماكن العمل واحتياجات العملاء وروَاد الأعمال له تأثير كبير على صناعة مسك الدفاتر والاستشارات المالية، وظهور المنصات الرقمية الحديثة ساهم في سهولة الوصول إلى عقود العمل قصيرة الأجل، فأصبح هناك ارتفاعًا في عدد القوى العاملة المؤقتة أو حسب الطلب، فأدّى ذلك إلى المرونة في أداء العمل بالنسبة للمحاسبين والمختصين، ومرونة لأصحاب الشركات في جذب أفضل المواهب بما يُلبي احتياجاتهم المهنية ولا يؤثر على توازنهم المالي.
اقرا ايضا : ما هو مسك الدفاتر المحاسبية
- تحولات في توقعات العملاء وأصحاب الأعمال الصغيرة
بدلًا من ممارسات إدارة الدفاتر وفقًا للمواعيد الضريبية النهائية، بات روَاد الأعمال يُطالبون بالمزيد من التفاصيل والحسابات، إذ يحتاج العملاء اليوم إلى بيانات مالية محدثة وفي الوقت الحقيقي، وذلك لاتخاذ قرارات مالية سليمة مستندة على تلك البيانات، كما و يرغب العديد من أصحاب الأعمال في المرونة للوصول إلى المعلومات أثناء التنقل، ويتطلع العملاء إلى أن تكون تلك البيانات سهلة الفهم، وربما الرقمنة ساهمت في الاستجابة لكافة تلك المتطلبات.
- ظهور أدوار جديدة لممارسات مسك الدفاتر
الثورة الرقمية أحدثت العديد من التغييرات على ممارسات المتخصصين في مسك الدفاتر، فعلى سبيل المثال، قد يلعب اليوم المختص في مسك الدفاتر، دور المستشار عند تبني المنشأة لتقنيات الحوسبة السحابية والأتمتة وتمكين المزيد من المشاركة، إذ أنَ العميل آنذاك سيحتاج إلى دعم فوري ومستمر، وبالتأكيد من يتولى مهمة مسك الدفاتر، يستطيع تقديم المشورة العملية للمنشأة ما يساهم في جلب المزيد من الإيرادات.
كذلك قد يعمل المختص في مسك الدفاتر على تحليل البيانات المالية، فالشركات التي تحتفظ بالمزيد من البيانات، تحتاج غالبًا إلى من يعمل على معالجة تلك البيانات لاستخلاص رؤى تساعد على اتخاذ القرارات المستقبلية كقرارات الاقتراض، التمويل أو التوسع وغيرها.
اقرا ايضا : كيف تنجح عملية مسك الدفاتر
التقنيات التي غيَرت مسك الدفاتر
بلا شك انَ التكنولوجيا تركت أثرًا لا يستهان به على العديد من الصناعات البشرية، منها مسك الدفاتر، لذا سنذكر عبر السطور التالية بعض التقنيات التي غيَرت مسار هذه المهمة وجعلتها أسهل وأكثر دقة:
- الأنظمة السحابية
أحدثت الشبكة العنكبوتية الكثير من التغيير لعالم الأعمال، لذا أصبحت من أكثر الأماكن التي تتواجد فيها مواقع المنشآت وحساباتها عبر وسائل التواصل الاجتماعية، وبالرغم من تلك التغييرات الجذرية، إلا أنَ العديد من الخبراء يعتقدون بانَ الأنظمة السحابية هي أكثر الأمور التي ساهمت في تسهيل عمل المنشآت وتبسيط معلوماتها، أينما كانت ومهما كان الوقت، فالمحاسب اليوم وروَاد الأعمال يُمكنهم القيام بتسجيل الدخول فقط والوصول إلى البيانات على الفور ومعالجتها، أضف الى ذلك، فإنَ الحوسبة أو الأنظمة السحابية تمنحك مساحة تخزين هائلة وتتيح مزامنة الملفات عبر منصات متعددة، كما يتم إجراء عملية النسخ الاحتياطي للملفات ما يسهل استرجاعها عند فقدانها.
- المحاسبة المتنقلة
من الواضح أنَنا أصبحنا نعتمد بشكل أكبر على أجهزتنا المحمولة، وبالرغم من انتشارها في كل مكان، إلا أنَ هناك العديد من المزايا التي لا يزال على الشركات الاستفادة منها، ولعلَ هذه الأجهزة هي التي أحدثت تطورًا منقطع النظير فيما يتعلق بوظائف المحاسبة ومسك الدفاتر، إذ انتشرت العديد من التطبيقات والبرامج التي يسّرت إنشاء وإرسال الفواتير، و إيصالات الاستلام وإنشاء المطالبات وجمع التوقيعات، كذلك إدخال البيانات اليومية، لذا أصبح بإمكانك إنجاز كل ذلك ببضع تمريرات على الشاشة وسيتم نسخ بياناتك احتياطيًا أيضًا، وسيكون لديك حق الوصول إلى البيانات والملفات التي تحتاجها ويُمكنك أيضًا استخدام برامج إدارة العملاء على جهازك "CRM" لتحسين دعم العملاء والتواصل، وهذا سيؤدي بلا شك إلى زيادة ولاء العملاء.
اقرا ايضا : أهم تقارير مسك الدفاتر
- البرامج المتخصصة
يقوم المحاسبون والمختصون في عمليات مسك الدفاتر، واحدًا تلو الآخر بالتخلص من القلم التقليدي ودفتر الأستاذ والآلة الحاسبة المكتبية، إذ توجد اليوم أدوات معالجة أكثر كفاءة وبرامج متخصصة تسمح بإدخال البيانات وحسابها بشكل أسرع، حتى أنَ عملية إدخال المعلومات يدويًا في البرامج باتت آخذة في التراجع لأنّ تقنية المسح تجعل من الممكن تصوير الصفحة والسماح للبرنامج بإكمال بقية الحقول ذات الصلة، ومن المعروف أنَ القيام بأعمال مسك الدفاتر يتطلب الدقة في الحسابات، وهذه التقنيات الحديثة ساهمت في تحسين الدقة بشكل كبير وتقليل هامش الخطأ، فالخطأ البسيط قد يؤدي الى اختلال في الميزانية العمومية أو الإقرار الضريبي، فيؤدي بدوره إلى عقوبات ضريبية على المنشأة وقد يسهم ذلك في تعريض سمعتك المهنية إلى الخطر.
- الذكاء الاصطناعي
يراود البعض فكرة مفادها أنَ الذكاء الاصطناعي قد يسرق الوظائف، إلا أنَ الفكرة الصائبة هي أنَ تقنيات الذكاء الاصطناعي تعمل على دعم القوى العاملة البشرية، حيث انَها تُساعد على تحقيق الكفاءة في أنظمة إدارة الفواتير فمثلًا تتعلم أو تُحاكي الآلات الرقمية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي أكواد المحاسبة التي تتناسب مع كل فاتورة، كما أنَها ترفع من مستوى عمليات التدقيق في المستندات، وتساهم في جمع البيانات المالية من العديد من المصادر بفعالية ما يؤدي إلى سهولة إعداد التدفقات النقدية.
- البلوك تشين
يرى بعض الخبراء أنَ تقنية البلوكتشين ستخلق المزيد من الأمان على البيانات المالية، حيث ستتمكن المنشآت من تسجيل بياناتها في سجل مشترك وستكون الإدخالات مشفرة ما يؤدي الى صعوبة تزييفها أو تدميرها، كما سيتم تصنيفها بشكل صحيح قبل إدخالها، لذا سيُركز المتخصصين في عملية تحليل تلك البيانات بشكل أكبر.