كرائد أعمال مبتدئ أو كشخص يملك اطلاعاً كافياً بالشؤون المالية والتجارية، بلا شك أنَه قد تردد على مسامعك مصطلح "مسك الدفاتر" كثيرًا، وربما قد تكون أنت من الأشخاص الذين قاموا بالبحث عن مفهوم هذا المصطلح وعملوا على تعيين محاسبين مختصين للقيام بذلك، ولكن ما أهمية هذا الأمر خاصةً للشركات؟.
نتطرق عبر السطور التالية إلى إجابة هذا التساؤل، مع توضيح مفهوم هذا المصطلح ومعرفة جذوره وعمليات تطوره وما أصبح عليه اليوم.
ماذا يعني "مسك الدفاتر"، وماجذور هذا المصطلح؟
جرى تعريف عملية "مسك الدفاتر" على أنَها النشاط المتعلق بالتسجيل الدقيق والمنتظم للأموال التي تمَ إنفاقها أو استلامها من قِبل شركة أو مؤسسة أخرى، وتُعدَ عملية مسك الدفاتر هي الخطوة الأولى في مجال المحاسبة، إذ أنَها حجر الأساس الذي يُستند عليه في كل ما يتعلق بالبيانات المالية، حيث تعمل المنظمات على تتبع المعلومات الموجودة في دفاترها لاتخاذ القرارات التشغيلية، والقرارات المتعلقة بالتمويل والاستثمار.
تعود أصول هذه الممارسة التجارية إلى أكثر من 6 آلاف سنة قبل الميلاد، حيث أظهرت بعض القطع الأثرية التاريخية التي اكتشفها علماء الأنثروبولوجيا أنَ العديد من الحضارات القديمة، كان لكلٍ منها شكل من أشكال السجلات المالية، واكتشف المؤرخون أيضاً آثاراً لعقود تجارية لأحد الممالك العظيمة مثل مملكة بابل، إضافةً إلى بعض المحفوظات التي تُظهر تسجيلاً منهجياً لحسابات المنتجات الزراعية في الحضارة اليونانية القديمة والامبراطورية الرومانية.
إلا أنَ مسك الدفاتر بشكلها المحاسبي الحديث، بدأ في أواخر القرن الخامس عشر من قِبل عالم الرياضيات الإيطالي "فراتر لوكا باسيولي" في كتابه الذي حمل اسم " Summary of arithmetic, geometry, proportions and proportionality"، حيث وصف "باسيولي" نظام المحاسبة المعاصر، نظام القيد المزدوج، وحتَى أنه تطرق إلى أدوات مسك الدفاتر المختلفة مثل قيد اليومية "journal entry" ودفتر الأستاذ وغيرهما.
ولمعرفة المزيد عن مسك الدفاتر يمكنك الاطلاع على مقال ( ماهو مسك الدفاتر المحاسبية )
مسك الدفاتر والشركات الناشئة
كما ذكرنا سابقًا، فإنَ عملية مسك الدفاتر مهمة حيوية، ينبغي القيام بخطواتها بدقة متناهية، وإذا لم يتم ذلك بالشكل المطلوب، فقد يُصبح مصير تلك المنظمة إلى الفشل، خاصةً إذا كانت تلك المنظمة من المؤسسات أو الشركات الناشئة، وذلك للعديد من الأسباب، نذكرها كالتالي:
يساعد على إظهار الميزانية بدقة عالية
تجعل عملية مسك الدفاتر الحصول على الميزانية أمراً سهلاً وسلسًا، وذلك لأنَ الإدخال المستمر للنفقات والإيرادات يجعل من السهل مراجعة الموارد المالية، كما وترسم عملية مسك الدفاتر خارطة الطريق لمشروعك الناشئ، حيث تُمكنك كرائد أعمال من التحكم بنفقاتك والتخطيط لتلك المصروفات المستقبلية، فإذا كنت لاتحتفظ بسجلات محدثة بشكل متواصل، سيُصبح من الصعب الحصول على ميزانية واضحة.
تُبقيك على استعداد للضريبة!
بلا شك أنَ توقيت تقديم الضرائب في نهاية الفترة الضريبية وقتاً عصيباً على الشركات، وعملية مسك الدفاتر تُزيل ذلك القلق والتوتر الناجم عن ذلك، وذلك بأنها توفر بيانات مالية جاهزة لوقت الضرائب.
اقرأ أيضاً : كيف تنجح عملية مسك الدفاتر
تقليل الأخطاء
يُمكن أن يؤدي الضغط في اللحظة الأخيرة ومحاولة العثور على معلومةٍ ما إلى تفويت بعض المواعيد النهائية، وربما يؤدي أيضاً إلى ارتكاب بعض الأخطاء، ومن المؤكد أنَ الشركات الصغيرة التي لازالت في خطواتها الأولى، لاتريد أن تتحمل تكاليف إضافية ناجمة عن الأخطاء، لذا فإن الاحتفاظ بسجلات الدفاتر باستمرار، يجعل من السهل الحصول على المعلومة المطلوبة في لمح البصر.
يُسهل رؤية أهداف المنظمة
بالتأكيد يرغب كل صاحب مشروع بأن يتوسع مشروعه وينمو، إلا أنَ سجلات الدفاتر الغير مكتملة أو التي تحتوي على أخطاء تحدَ من نمو العمل، حيث أن عدم وجود أرقام وبيانات مالية صحيحة لتحليلها، يجعل من الصعب أن تُحدد لنفسك أي أهداف للنمو.
سهولة تلبية اللوائح الحكومية
من المعروف أنَ الحكومات تعمل على إيجاد تسهيلات أكثر لروَاد الأعمال وذلك رغبةً بازدياد أعداد المقبلين على ريادة الأعمال والمستثمرين أيضاً، ومؤخراً اتجهت العديد من الحكومات إلى إحداث تحول رقمي في العديد من المجالات التجارية، إحدى هذه التوجهات هي تقديم الضرائب من خلال برمجيات وتطبيقات إلكترونية محددة، لذلك عدم وجود سجلات ودفاتر محاسبية دقيقة، سيجعل العمل عليك مضاعفاً، ما يعني إهدار المزيد من الوقت والمال، إضافةً إلى احتمالية وقوع الأخطاء في الوقت الضائع!
لذا، فإنَ عملية مسك الدفاتر بطريقة صائبة، ستجعل من السهل رفع تلك البيانات على تلك الوسائل الرقمية، وسيمنعك من مواجهة أي عقوبات أيضاً.
تعرف علي : أهم تقارير مسك الدفاتر
قرارات أفضل
عملية مسك الدفاتر، تساعد على اتخاذ قرارات مالية وإدارية أفضل، حيث تُمكنك من معرفة ما إذا كانت شركتك تسير نحو الاتجاه الصحيح أم لا، وذلك من خلال مقارنة نتائجها مع معاييرك الأساسية، وهي بالتالي تُمكنك من إدارة التدفق النقدي والمستحقات، وتمنحك بيانات جاهزة لتقديمها للمستثمرين والممولين، فالدفاتر المنتظمة تُظهر لهم أنَك مدرك لاحتياجات التدفق النقدي، وتُبين لهم مؤشرات الأداء الرئيسية للعمل.
المزيد من التعلم والتوسع
إذا كنت خبيراً أو مبتدئاً في عالم المحاسبة، فعملية مسك الدفاتر المنتظمة ومراجعتها مع المختص أو المحاسب، ستُساعدك على تعلم الجوانب المحاسبية خطوة بخطوة، كما أنها ستُبقيك مطلعاً على نفقاتك ودخلك، وتجعلك أكثر قدرة على تحليل وضعك المالي، وبالتالي تحديد الاستثمارات والصفقات الأنسب لك.
أمور ينبغي مراعاتها حتى تبدأ وتتمَ عملية مسك الدفاتر بشكل صحيح، و هي:
عملك ليس حياتك الشخصية!
واحدة من أكبر المشاكل التي يقع فيها رواد الأعمال المبتدئين هي عدم وجود الخط الفاصل بين الحياة الشخصية والعمل الخاص، لذا في بداية الأمر وقبل بدء كل شئ، حدد الأمور المتعلقة بمشروعك التجاري وما يتعلق بحياتك الشخصية بشكل خاص.
ضع "الضرائب" في الحسبان
دفع الضرائب ليس نفقة اختيارية، لذا ضع في الحسبان تخصيص ما يكفي من المال لتغطية نفقاتك الضريبية منذ أول عام.
احتفظ بكل شيء
لا ترمي إيصالاً لمجرد أنَه غداء مع أحد العاملين أو الموردين، احتفظ بكافة نفقاتك حتى تستقيم عملية مسك الدفاتر لديك، فعندما يقترب وقت استحقاق التقارير الضريبية، ستتمنى لو أنَك قادراً على تتبع جميع معاملاتك والبحث عن طرق لخفض التكاليف.
اعقد اجتماعات بشكل منتظم
احرص على عقد الاجتماعات مع أحد المختصين على أساس منتظم، لتكون على إطلاع بالجوانب المالية لشركتك.
اعمل مع محترفين
كونك رائد أعمال مبتدئ، فعليك أداء العديد من الأدوار، ما يجعلك تقع تحت وطأة الضغط وضرورة طلب المساعدة من المختصين حتى تتمكن من إدارة مشروعك بشكل صحيح، لذا ينبغي عليك الاستناد على أحد المحاسبين المحترفين وتوظيفه والمتابعة معه، أو العمل مع الشركات المختصة في الأمور المحاسبية على أساس تعاقدي.