بلا شك أنَ الثقافة التي يُقبل عليها الجيل الحالي وستُمرر للأجيال المقبلة هي ثقافة ريادة الأعمال وامتلاك المشاريع الخاصة بالأفراد حتى يتمكنوا من إدارتها وجني المزيد من الأموال بدلاً من العمل لصالح أشخاص آخرين، وتمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق المراتب الأولى في مؤشرات تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال 2019 2020، حيث جاءت في المركز الأول بمؤشر "معرفة شخص بدأ مشروعاً جديداً"، مايدل على التنافس الكبير والإيجابية العالية لخوض مجالات ريادة الأعمال من قبل الشباب والشابات، وقد تزامن هذا الأمر مع ظهور العديد من مسرعات الأعمال التي تُساهم في دعم المنشآت الحديثة.
عبر السطور التالية، نتطرق إلى مفهوم مسرعات الأعمال وماهي الآثار الإيجابية التي تعود بها على الاقتصاد المجتمعي:
ماهي مسرعات الأعمال، وما تاريخ ظهورها؟
مسرع الأعمال هو مفهوم يشير إلى مجموعة من البرامج المكثفة والمقدمة من بعض الكيانات الاقتصادية التي تمنح الشركات النامية، إمكانية الوصول إلى الإرشاد والمستثمرين وغير ذلك من أشكال الدعم التي تساعدهم على أنَ يُصبحوا شركات مستقرة ومكتفية ذاتياً، وغالباً مايكون المقابل التي تحصل عليها تلك الكيانات هو حصة أو نسبة من المشروع.
قبل مسرعات الأعمال، بدأت حاضنات الأعمال بالظهور في عام 1959م، وكان الهدف منها تكوين بيئة مؤسسية تساعد وتُمكن الشركات الناشئة والأفكار التجارية على النمو، وفي عام 1999م، ازدهرت حاضنات الأعمال وظهرت العديد من الأسماء المعروفة عالمياً آنذاك مثل "TechSpace"و "HotBank 100" وغيرها، جنباً إلى جنب مع تطور وكثرة الشركات التكنولوجية، وكانت النماذج المتواجدة تعمل على تقديم مساحات مكتبية جيدة للشركات الجديدة مقابل الحصول على أسهم في الشركة، ومع انتشار فكرة الحاضنات، قدمت هذه المؤسسات مساحات مقابل رسوم شهرية، ومن ثمَ في عام 2005م، أنشأ المبرمج الأمريكي"Paul Graham Y Combinator " والمالك لمسرعة الأعمال "YC"، بعض الاختلافات على برامج الحاضنات وهكذا كانت الانطلاقة لمسرعات الاعمال.
الفرق بين مسرعات الأعمال وحاضنات الأعمال
غالباً ماتكون الشركات التي تلجأ إلى مسرعات الاعمال، شركات ناشئة تجاوزت المراحل الأولى أو المراحل التأسيسية للمشروع، وعلى استعداد للنمو والتطور إلا أنَهم بحاجة إلى الدعم المالي والتوجيه الإداري لاكتساب قوة أكبر، في حين أنَ الشركات الأقل تطوراً أو تلك الغير مستعدة لخوض المرحلة الثانية من المشروع، فهي تستخدم حاضنات الأعمال بدلاً من ذلك، كونها مصممة لدعم الأفكار الابداعية منذ البداية، وتطويرها من خلال توفير موارد الدعم، إضافةً إلى أنَ مسرعات الأعمال تُقدم برامجها لفترة زمنية قصيرة وبشكل مكثف، في حين أنَ حاضنات الأعمال تُبقي المشاريع لديها لفترة قد تصل الى سنة وأكثر.
تأثير مسرعات الأعمال على ريادة الأعمال
ساهم وجود مسرعات الأعمال في تطوير العديد من الشركات الناشئة ومنع إفلاسها او إغلاقها، إذ غالباً مايواجه روَاد الاعمال الكثير من العقبات في مرحلة النمو ما يؤدي بهم إلى الإنهيار، وأشارت منصة "Angel List" وهي إحدى المنصات التي تُساعد الشركات بالحصول على الاستثمارات، إلى ارتفاع عدد مسرعات الأعمال في العالم أجمع، واستدلت المنصة على ذلك بأنَه في عام 2005م، لم يكن هناك سوى مسرع أمريكي واحد للأعمال فقط واليوم تحتوي الولايات المتحدة الأمريكية فقط على 578 من مسرعات الأعمال، وبلا شك أن الزيادة الملحة لهذا النوع من الكيانات يعود إلى وجود عائد ومردود لايُستهان به على الأنشطة التجارية، وفي هذا السياق نذكر عبر السطور التالية، بعض من مزايا مسرعات الأعمال كالتالي:
تطوير مكثف ودليل للمستثمرين
تعمل مسرعات الأعمال على إخراج أفضل مافي الشركات الناشئة والمستثمرين على حدِ سواء، فهي التي تعمل على تطوير الشركات بشكل مكثف وفي فترة ليست طويلة غالباً، وفحص الشركات المشاركة بدقة، فلايحتاج المستثمرون إلى إضاعة الكثير من الوقت في غربلة وتقييم المنشآت الناشئة.
إدراك للتسويق والعلاقات العامة
يُمكن لرائد الأعمال الاعتماد على مسرع الأعمال ليكون أحد المدافعين عن علامته التجارية والمروجين لها خارج إطار المنظمة، حيث يُساعدك المسرع على تطوير استراتيجيتك التسويقية وتحديد المواقع المناسبة لمنتجاتك أو خدماتك، كذلك تحديد المنافذ المناسبة التي تساعد الشركة على الانطلاق نحو الريادة، لذا، إن كان مسرع الأعمال الذي يتبنى مشروعك ذو سمعة تجارية جيدة، فمن المحتمل أنَ يُسهم ذلك في جذب العديد من العملاء المحتملين والمستثمرين إليك بسهولة.
إشارة جيدة للوصول إلى المستثمرين
كما أن حصول الفرد على درجة علمية من إحدى الجامعات الموثوقة وذات التقييم العالي، يؤهله للحصول على وظيفة مرموقة، كذلك الاستعانة بمسرعات الأعمال، باتت بمثابة تحقق تجاري واجتماعي للمستثمرين، من أنَ شركتك الناشئة قد تجاوزت أصعب مراحلها وهي قادرة على تحقيق المزيد من النجاحات القادمة، مايجعل المستثمرين ذو قابلية على وضع رؤوس أموالهم فيها بأمان.
شبكة من العلاقات ومعرفة موسعة
الانضمام إلى إحدى برامج مسرعات الأعمال لايعني انَك ستعمل بجانب المختصين والاستشاريين فقط، بل ستكون بمحاذاة العديد من الشركات الناشئة، مايُساعدك على تطوير معرفتك التجارية وتجنب الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها الآخرين، كما يجعل رؤيتك أكثر وضوحاً تجاه الأهداف والتحديات التي ستواجهها في المراحل المقبلة، كذلك فإن وجودك بجانب أفراد الشركات الأخرى يُساعدك على تكوين شبكة من العلاقات، ويُرسل لك شعورًا بأنَك لست وحدك بمواجهة العالم – كما يشعر العديد من روَاد الاعمال في بدايات عملهم – بل يمنحك المزيد من التحفيز والمعنويات العالية حتى تتمكن من العمل بجد أكبر.
تأثير مسرعات الاعمال على الإقتصاد المحلي
وفقاً لتقرير منصة "MAGNiTT" المختصة ببيانات عالم المال والأعمال، الصادر في عام 2018م، أشارت فيه إلى أن مسرعات الأعمال تُشكل 18% من مصادر تمويل الشركات الناشئة في الشرق الأوسط، لذا بلاشك أن مسرعات الأعمال تُساهم في إخراج العديد من الشركات الرائدة التي ستُساهم بدورها في دعم الاقتصاد الوطني، وليس ذلك وحسب، فكثرة مسرعات الأعمال في دول الخليج العربي في الوقت الحالي ينسجم مع إعادة هيكلة الاقتصادات الخليجية وسط التحول من الاعتماد الكلي على النفط إلى دعم القطاع الخاص، وهناك العديد من مسرعات الأعمال في المملكة العربية السعودية، منها مسرعة "InspireU" ومسرعة "تقدم TAQADAM" وغيرهما الكثير.