تحدثنا في مقال سابق حمل عنوان “Blitzscaling ” الطريق لنمو شركتك في وقت قياسي، حول ما قدمه هذا الكتاب من مفاهيم فريدة للشركات الناشئة التي ترغب في التوسع، ولعل التغيير وتقبل التغيير هو الثابت الوحيد المتعارف عليه لدى روّاد الأعمال وهو ما أوصى به هذا الكتاب أيضًا، كما وقدم الكاتبين العديد من الأفكار التي تناقش فكرة التحرك والتوسع السريعين، وبالرغم من براعتهما في إيصال الفكرة الأساسية المطروحة في الكتاب، للعديد من روّاد الأعمال حول العالم ليصبح الكتاب من بين الكتب الأكثر أهمية والأكثر مبيعًا في عالم ريادة الأعمال، إلا انّ الملاحظ اقتراحه لبعض الأفكار التي قد يراها البعض غريبة نوعًا ما والتي قد تتعارض مع ما يتم تدريسه في كليات إدارة الأعمال وتتعارض تمامًا مع أفضل الممارسات المقبولة لأي من الشركات الناشئة في مرحلة مبكرة أو إدارة الشركات بشكل تقليدي.
ومن هذا المنطلق نستعرض البعض من تلك الأفكار التي قد تبدو غير مألوفة، كالآتي:
– احتضان الفوضى
تسعى الأعمال التقليدية جاهدة من أجل النظام والانتظام في الإدارة والعمليات والنتائج المالية، هذه الرغبة في خلق النظام أمر منطقي، لأنه يسمح للشركات بضبط نهجها ليكون فعالاً قدر الإمكان ويمنح المساهمين إحساسًا ممتعًا بالاستقرار، ولكن عندما تقوم بتطبيق مبدأ الـ “Blitzscaling”، فأنت تختار التضحية بالكفاءة من أجل السرعة، مما يعني أن التركيز التقليدي على النظام يحتاج إلى استبداله برغبة فريدة في تبني مستوى من الفوضى من شأنه أن يرعب الكثيرين!
ومع ذلك، فإن الاستسلام السلبي للفوضى استراتيجية غير رابحة، فينبغي عليك احتضان الفوضى بمعنى قبول وجود حالة عدم اليقين وبالتالي اتخاذ خطوات لإدارتها، فإذا كنت تعلم أنك سترتكب أخطاء، فالحل لا يكمن في الجلوس وانتظار الإجابات لتأتي إليك، ولا المضي قدمًا دون تحضير أو تدبر، إذ لا يزال بإمكانك اتخاذ قرارات ذكية بناءً على تقديرك للاحتمالات، وربما الأهم من ذلك، أنَه يمكنك التأكد من أنّ لديك القدرة على تصحيح أخطائك، فاليقين الوحيد هو عدم اليقين، لذا كن مستعدًا لتزدهر في الفوضى، خاصةً عندما تبدأ أي شيء جديد، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تتوقعه هو غير المتوقع، فالمرونة هي مفتاح البقاء والتقدم.
– وظف الآنسة “الآن” وليس الأنسة “لاحقًا”
بالنسبة لتاريخ معظم الشركات في وادي السيليكون، كان الأمر الشائع المتبع لتعيين مدراء تنفيذيين في شركة ناشئة هو انّ يتم جلب مسؤول تنفيذي يمكنه التوسع بشكل سريع، وهذا يعني تعيين شخص لديه خبرة مع منظمات أكبر بكثير، وذلك لانّ تجربته ستكون مفيدة في مرحلة لاحقة، إلا انّ الكاتبين يعارضان هذه الفكرة، فتوظيف شخص يدير آلاف الأشخاص في شركة كبيرة لينتقل إلى إدارة شركة مكونة من 10 أشخاص، هو أمر في الواقع قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
ولأن الكثير من روّاد الأعمال يرون المنافسة الشرسة القائمة في عالم الشركات الناشئة، فيعتقدون بضرورة وجود شخص يمتلك خبرات شاملة حتى يقودهم الى المراحل اللاحقة من التوسع، في حين انّ فكرة الكتاب تشير الى ضرورة الالتفات الى تعيين مدراء تنفيذين لفترة النمو الحالية دون القلق بشأن المرحلة التالية، فتوظيف شخص يدير آلاف الأشخاص لإدارة شركة صغيرة سيأتي بنتائج عكسية، لأن المهارات اللازمة للنجاح خلال المراحل المختلفة للشركة مختلفة تمامًا.
لذا فإن المقصود بتعيين الآنسة “الآن” هو التركيز على الوقت الحالي ومعرفة الوقت التي ستترك فيه شخصًا ما، وعدم تعيين شخص لدور مستقبلي، لا تقم بالكثير من التنبؤات المستندة إلى المستقبل ووظف الأفراد الملائمين للفترة الحالية.
– تحمل الإدارة السيئة
عند تطبيق الـ “Blitzscaling”، تكون السرعة أكثر أهمية من وجود منظمة تتم ادارتها بشكل جيد، ففي ظل الظروف العادية ، يجب أن تسعى الادارة جاهدةً لتحقيق التماسك التنظيمي والاستقرار، فالمنظمات الفوضوية غير المستقرة تجعل الموظفين متوترين وتؤذي الروح المعنوية، ولكن عندما تقوم بالتوسع، قد تحتاج إلى إعادة تنظيم الشركة ثلاث مرات في عام واحد، فعندما تنمو مؤسستك بنسبة 300%، ستضطر بلا شك إلى ترقية الأشخاص قبل أن يكونوا مستعدين ثم استبدالهم إذا لم يتعاملوا مع الوضع الجديد، فليس لديك الوقت للتحلي بالصبر والانتظار حتى تنجح الأمور، إذ يجب في هذه الحالة أن تتصرف بسرعة وحسم، فهناك دائمًا الكثير من التغيير، والكثير منه ليس أمرًا طوعيًا بل اجباريًا، فأنت تبني الفريق والشركة في آنٍ واحد.
وإحدى الأمثلة التي ذكرها الكاتبين في هذا السياق، هو شركة “باي بال”، إذ كانت الشركة تُدار بشكل سيئ، فبالرغم من التأكد من أن كل موظف لديه وظيفة أساسية وواضحة للحفاظ على التركيز على العمل في بعض المشاريع المهمة، إلا أنّه لم تكن هناك محادثات فردية مع الموظفين حول التطوير الوظيفي، ولم تكن هناك أي أفكار حول وضع الشركة بعد ثلاث سنوات وتكاثرت الخسائر بملايين الدولارات، ولكن عند تطبيق آليات النمو السريع، وخلال تلك الأوقات الحرجة، آنذاك كانت “باي بال” تعمل على تطوير نموذج أعمالها وتوسيع نطاقها، حينها وجدت الشركة نفسها مضطرة الى اجتياز سلسلة من تحديات النجاح أو الفشل ومواجهة الأمور الخطيرة والغير متوقعة.
وفي هذا السياق، أشار الكاتبين إلى ضرورة انّ يكون للفرد أدوار غير محددة وفي حالة تغير مستمر وأن يكون أكثر قدرة على التكيف مع التغييرات الجذرية حتى يتلاءم مع الشركة التي تمر بتلك المرحلة.
وكمدير وصاحب مشروع، كن موافقًا على كسر ممارسات الإدارة التقليدية، فقد تحتاج إلى إعادة هيكلة التسلسل الهرمي للشركة 3 مرات في السنة، ولن يكون التقدم الوظيفي واضحًا للموظفين الجدد، هذا الأمر الأشبه بالفوضى للفريق، إلا أنّه في جوهرة يقيس المرونة التي تساهم في جعل الشركة ذكية، فأنت تخاطر بالمنظمة مقابل التركيز كليًا على النمو.
– إطلاق منتج يحرجك
لا يجب أن تسعى جاهدًا لإنتاج منتج سيء، ولكن إذا كنت بحاجة إلى الاختيار بين الوصول إلى السوق بسرعة بمنتج غير كامل أو الوصول إلى السوق ببطء بمنتج مثالي، فاختر المنتج الغير كامل في كل مرة، إذ يتيح لك الوصول إلى السوق في وقت قياسي والبدء في الحصول على الملاحظات التي تحتاجها لتحسينه، فأي منتج قمت بتنقيحه بعناية بناءً على توقعاتك بدلاً من ردود فعل المستخدم الحقيقية، فمن المرجح أنّه سيفقد أهميته وسيتطلب تعديلات كثيرة.
السرعة مهمة حقًا، ويتيح لك الإطلاق المبكر الصعود في منحنى التعلم للوصول الى منتج رائع بشكل أسرع.
وذكر الكتاب مثالًا على ذلك هو حيرة المطورين عند اطلاق شبكة “لينكدن”، وذلك لوجود عيب في الشبكة يتمثل في عدم وجود ميزة مكتشف الأصدقاء أو ما يطلق عليه “Contact finder” وذلك أثناء وجود شبكة اجتماعية أخرى منافسة تُعرف باسم ” Friendster” والتي كانت تنمو بسرعة هائلة، فقرر المطورين إطلاق شبكة لينكدن والحصول على مليون مستخدم ومن ثمّ معالجة المشاكل الأخرى.
وتجدر الاشارة إلى انّ “مارك زوكربيرج” هو أيضًا من شخصيات روّاد الأعمال الذين يمتلكون فلسفة التحرك بسرعة وكسر الأشياء، لذا كن مستعدًا لفشل إحدى المنتجات في المرة الأولى أو اعمل على إطلاق نموذج مبدئي ومن ثم إجراء التعديلات من خلال تعليقات المستخدمين.
– دع الحرائق تشتعل!
في كل مرحلة من مراحل العمل، هناك دائمًا مشاكل وقضايا تستدعي انتباهك، وقد تشعر وكأنك رجل إطفاء، إلا أنه بدلاً من محاولة إطفاء حريق في مكان واحد، يمكنك رؤية حرائق متعددة من حولك وليس لديك الوقت لإخمادها جميعًا، من هذا المنطلق، تتمثل إحدى الطرق التي ذكرها الكتاب والتي تساعد رائد الأعمال على البقاء والتركيز في مرحلة التوسع،
هو اتخاذ قرار بالسماح لبعض الحرائق أن تشتعل، وشبّه ذلك بالمستشفى، إذ لا يتم علاج المريض على أساس أولوية الوصول ولكن وفقًا لشدة المرض، فأنت كرائد أعمال يسير على مبدأ التوسع السريع “Blitzscaling”، ينبغي عليك فرز المشاكل الى ثلاثة فئات وهي:
- المشاكل الخطيرة العاجلة والمهمة: وهذا النوع هو الذي يتطلب الوصول الى حلول جذرية وعاجلة.
- المشاكل الهامة وغير العاجلة: وهذا النوع يتطلب وجود نظام لإصلاحه والالتزام به.
- المشاكل الأخرى، هذه الفئة التي ينبغي تجاهلها
– تجاهل العملاء!
قد تتعارض هذه القاعدة مع القاعدة التسويقية الشهيرة “العميل على حق دائمًا”، ولكن بالنسبة للشركات التي تعمل على التوسع السريع، فإن القاعدة الأساسية تتمثل في تقديم
أي خدمة عملاء ممكنة طالما أنها لا تبطئ من سير العمل، ما يعني أنه ليس هناك أولوية للعملاء، وقد تكون شكاوى العملاء من الحرائق التي ينبغي تركها تحترق!، وتُطبق بعض الشركات الناشئة التي تسير على خطى النمو هذا الأمر، فتُقدم خدمة عملاء ودعم عبر البريد الإلكتروني فقط، أو لا تقدم دعمًا على الإطلاق، معتمدين على المستخدمين في إيجاد ومساعدة بعضهم البعض في منتديات المناقشة.
وهذا الأمر لايعني تجاهل وجود العملاء بالمطلق، ولكن التركيز على عدد قليل من العملاء ذو الأهمية والذين يصنعون الفارق، خاصةً عملائك الأوائل الذين قد يُحدثون فرقًا كبيرًا في سمعة الشركة على المدى الطويل.
– اجمع الكثير من المال
ستقلل من عدد الصعوبات عندما تجمع الأموال، ستميل للحصول على أفضل سيناريو للعمل عند جمع الأموال، وعندما تواجه بعض التحديات، فإن عدم وجود ما يكفي من المال
قد يهدم شركتك!.
في هذا السياق ينصح أحد المؤلفين “هوفمان” بمضاعفة المبلغ الذي تنوي الحصول عليه، وفي الوقت ذاته الحرص على إنفاق الأموال بحكمة عند إصلاح الأمور الحرجة من أجل إعادة
الأمور إلى مسارها الصحيح.
– التطوير الثقافي
الثقافة هي طريقة مشتركة لعمل الأشياء، إذ تُساعد الأشخاص على اتخاذ القرارات الصحيحة بشكل مستقل، فالثقافات غير الواضحة والضبابية تعرقل تنفيذ استراتيجيات النمو والتوسع السريع، وقد يتغير جميع الأشخاص في شركتك، ولكن يجب أن تظل ثقافة الشركة كما هي، إذ يجب أن يُدرك الموظفين أنهم يتحملون مسؤولية إحياء ثقافة الشركة أثناء نموها، لذا ومن هذا المنطلق ينبغي انّ يكون لديهم إجابات على بعض الأسئلة، من قبيل:
– ما الذي تحاول منظمتك أن تفعله؟
– كيف تحاول تحقيق تلك الأهداف؟
– ما هي المخاطر التي تخوضها لتحقيق تلك الأهداف بسرعة أكبر؟
– عندما يتعين عليك مقايضة قيم ثقافية معينة، فما هي القيم التي ستحتفظ بها وأيها ستتجاهلها؟
– ما نوع السلوك الذي توظفه أو تروج له أو تسعى من أجله؟
لتعزيز القيم الثقافية بانتظام، ينبغي أن تضع في الحسبان بأن يكون تصميم المكاتب والمذكرات المكتوبة وقنوات الاتصال مثل رسائل البريد الإلكتروني، داعمة لثقافة الشركة
وتسير على نهجها.
أخيراً، وظّف أشخاصًا يدعمون ثقافة الشركة ويضيفون لها.