كثيرًا ما يتم ربط المال بالسعادة، إذ نرى الكثيرين في حياتنا اليومية يؤجلون العديد من المهام والأمور التي يودون القيام بها لحين جني المزيد من المال، ورحلة الحصول على تلك الأموال غالبًا ما تكون شاقة تضم العديد من السنوات وربما عقود العمر، وقد يصل الفرد إلى نقطة التقاعد ويجد نفسه خاليًا من تلك الصحة والشغف وهما المحركان اللذان صنعا تلك الأحلام في مرحلة شبابه والمفترض أنّ يقودان مرحلة تحقيق تلك الأحلام ولكن تحقيقها وتنفيذها قد يكون بلا جدوى أو ليست بتلك اللذة المتوقعة حين قدومها متأخرة.
تلك الرؤية التي استعرضناها آنفًا قد لا تقتصر على مخيلة العُمال أو الموظفين البسطاء، بل قد تمتلك أيضًا عقلية بعض روّاد الأعمال، فيستمرون في العمل الدؤوب طوال حياتهم ولايُنجزون الغاية التي سعوا إلى تنفيذها من خلال تلك المشاريع!
ولعلَ كتاب "The 4-Hour workweek" أو أربع ساعات عمل في الأسبوع للكاتب ورجل الأعمال والمستثمر الأمريكي/ تيم فيريس، أتى بالعديد من المفاهيم التي قد تبدو غريبة واستثنائية ولا يتفق معها غالبية رجال الأعمال إلا أنّها هي الثورة التي ستقود عالم الناجحين في السنوات المقبلة، فقد عمل المؤلف على تصميم أسلوب حياة يتضمن عدم تأجيل السعادة والمتعة، وفي ذات الوقت بناء مشروعك التجاري والارتقاء بشركتك الناشئة، لذا نستعرض عبر السطور التالية بعضٌ من أبرز النقاط والدروس الأساسية التي ينبغي على كل رائد أعمال مبتدئ تبنيها، وهي كالتالي:
- ثقافة الانتقاء
كونك رائد أعمال مبتدئ ينبغي عليك التركيز أكثر في كل ما تقوم به وكل ما تسمعه وكل ما تقرأه، فليست كل المعلومات ضرورية أو قابلة للتنفيذ، وربما تكون لا علاقة لها بأهدافك وخارج نطاق تأثيرك، إذ أشارت إحدى الدراسات التي نشرتها صحيفة التايم أنّ خمس وقت المدراء التنفيذيين يقضونه في قراءة الأخبار وتصفح مواقع التواصل الاجتماعية وهذا الأمر غير ذي مردود على المشاريع التي يتولون إدارتها، لذا يقول الكاتب الأمريكي الشهير "رالف إمرسون":"هناك أشياء كثيرة قد يرغب الحكيم في تجاهلها" ، لذا فإنّ تطوير نظام بمعلومات أقل وتبني ثقافة الانتقاء، ستجعلك أكثر إنتاجية وستُحفز إنجازك للمزيد، فأنّ تكون مشغولًا لا يعني بأنّ تكون منتجًا.
- خلق شعور الإلحاح
يعتقد فيريس بضرورة تبني قانون باركنسون في العمل، فإذا منحت نفسك يومًا كاملًا لإكمال مهمة تستغرق ساعة، فمن المحتمل أن تقضي اليوم بأكمله وأنت تؤدي هذه المهمة، لذا تذكر أيام الجامعة والاختبارات وتلك الليلة التي تستجمع فيها قواك لتستذكر أكبر كم من الدروس، ومن هذا المنطلق، ضع مواعيد نهائية في إطار زمني ضيق لنفسك، فخلق شعور الإلحاح والضغط يزيد من الإنتاجية والتفكير في الحلول وأدائها بأسرع وقت ممكن.
- طبّق قاعدة باريتو
قانون باريتو ينص على أنّ 80% من النتائج سببها 20% من الأسباب، وعلى غرار هذا القانون طبّق ذلك على عملك، فـ 80% من الايرادات في الأعمال التجارية غالبًا ما تأتي من 20% من العملاء، لذا يوصي "فيريس" باختصار الإجراءات والعمليات التي تتمّ في المنشآت وأتمتة الكثير منها بعد إزالة الغير ضروري منها، ومن ثمّ التركيز على العملاء وفرزهم ليبقى العملاء الذين يدرّون ربحًا حقيقيًا للمنشأة بأقل مجهود.
- الأتمتة والتعهيد والمساعد الشخصي
يقول "بيل غيتس": "القاعدة الأولى لأي تقنية مستخدمة في الأعمال التجارية هي أنّ الأتمتة المطبقة على عملية فعالة ستزيد من كفاءتها، والقاعدة الثانية هي أن الأتمتة المطبقة على عملية غير فعالة ستزيد من عدم كفاءتها"، لذا بكل بساطة تخلص من العمليات الغير ضرورية، قم بالاستعانة بعض المصادر الخارجية وتفويضهم لأداء بعض العمليات في المنشأة بمقابل مؤقت، استعن بمساعد شخصي يُساعدك على أداء المهام الهامة والغير عاجلة والتي تستهلك وقتًا كثيرًا منك، واجعل كلًا من المساعدون الافتراضيون والتطبيقات هم أصدقاؤك دائمًا، فالقليل من المهام لا يعني الكسل بل الانتاجية المربحة.
- اعمل بذكاء
الكثير من الدراسات والأبحاث مؤخرًا خلصت إلى أنّه يتم قضاء نصف الوقت فقط في مكان العمل، في حين أنّ المتبقي يتكون من اجتماعات غير مهمة والاطلاع على رسائل البريد الإلكتروني الغير ضرورية، وأداء الكثير من العمليات التي من السهل أتمتتها، لذا اعمل بذكاء وركز مجهودك على ما يدر ربحًا للمنشأة خاصة في مراحلها الأولى، واحرص على أتمتة العمليات بعد فرزها بحسب الأهمية.
تدفق نقدي أكبر ووقت أقل!
ولـ "فيريس" رؤية مختلفة في إنشاء البنية الأساسية لأي مشروع تجاري، حتى يتمكن من تحقيق أكبر قدر من التدفق النقدي بتكلفة ووقت أقل، وتنص على التالي:
- خلق الطلب أمر صعب، تلبية الطلب أمر أسهل
لذا حدد عميلك ثم قم بعمل منتج أو خدمة له، فإذا كان الجميع هم عملائك فلا عميل لك!
- تحديد السوق المستهدفة
من هذا المنطلق يرى "فيريس" أنّ رائد الأعمال المبتدئ ينبغي عليه أولًا اختيار سوق متخصصة يمكن الوصول إليها بتكلفة معقولة، فبعد العصف الذهني، يتم اختيار مجالين أو صناعتين يكون الفرد هو الأكثر دراية بهما، على انّ يكون لهذه المجالين منصات اعلانية بأسعار جيدة تساعد للوصول إلى أفضل العملاء.
- اختر نوع المنتج
اختر ما إذا كنت تريد إعادة بيع منتج، ترخيص منتج أو إنشاء وصناعة منتج، يرى فيريس انّه من الأفضل أنّ تكون تكلفة تصنيع المنتجات المبدئية تتراوح بين 50 إلى 200 دولار أمريكي، وألا يستغرق إنشاؤه أكثر من ثلاثة إلى أربعة أسابيع.
- اختبار المنتجات
الحدس والخبرة هي مؤشرات سيئة عن المنتجات والشركات التي ستكون مربحة، لذا ينبغي أن يؤخذ في عين الاعتبار مدى حجم المنافسة وانشاء عروض تسويقية للمنتج عبر الصفحات الإعلانية الإلكترونية واختباره في بادئ الأمر.
- تسعيرة مرتفعة!
يرى "فيريس" أنّ التكلفة العالية تعمل على انشاء صورة متميزة للمنشأة وجذب عملاء في الساحة التنافسية، حيث انّ ارتفاع الأسعار يشير الى بيع أقل عدد من الوحدات وبالتالي إدارة عدد أقل من العملاء، كما أنّ السعر الأعلى يعني صيانة أقل، وجذب لفئة العملاء الذين لا يطرحون المزيد من الأسئلة وبأقل قدر من الشكاوى، أضف الى ذلك، أنّ ارتفاع الأسعار يخلق هوامش ربح أعلى، ما يشير إلى مستوى أمان مالي أعلى للمنشأة.
- أخيراً، انت بحاجة إلى الراحة و"التقاعد المصغر"!
الهدف الأساسي الذي يطرحه "فيريس" من خلال هذا الكتاب هو انّ يقوم الفرد بالتساؤل "ما تعريف الحياة بالنسبة له؟ ما الذي يريده منها؟ وكيف يستطيع إنجازه في أقل وقت؟، لذا كانت النصائح المالية التي تطرّق لها استثنائية ومتفردة عمّا وجد في السابق، إذ تتضاعف قيمة المال من خلال معرفة ماذا يريد الفرد، متى وأين ومع من؟.
فتجربة الحياة التي يسعى إليها الفرد لابد أنّ تتضمن الاستمتاع والرضا سويًا، ومن ثمّ طرح "فيريس" فكرة التقاعد المصغر وهي أنّ يقوم الفرد بأخذ فترات راحة لتحرير نفسه من العقلية المادية ولمراجعة حياته، ويتم ذلك من خلال توزيع فترة التقاعد طوال مدة الحياة بدلًا من انتظارها وجمعها بالكامل بعد الخمسين أو الستين، فالحرية والقدرة على الاختيار هي قوة حقيقية.